الاثنين، 26 فبراير 2024

 ينشد العقل "الضرورة" في فهم الظواهر حتى يقبل التفسير، بحسب هيجل، بما يجعل مهمة الفلسفة تفسير الظواهر تفسيرًا عقليًا يبرر ضرورتها. 

هذا المدخل يتضمن مصادرة حول العقل، والظواهر محل محاولة التفسير، وافتراض الضرورة كحتمية مسبقة، وقدرة المنهج الجدلي على إثبات المصادرات الثلاث، أي نفي كونها مصادرات، بينما هو نتاج إحداها.

بناء محكم مزمع يؤدي إلى نتيجة محددة مسبقًا، روح للعالم والتاريخ سمها ما شئت، دون نفع تفسيري حقًا، واستعداد، غير قابل للاعتراف به، لرتق انقطاعات المنطق. وهو ما أظنه قد حدث.

أجدني أقرب إلى المدخل الفلسفي الأكثر تواضعًا ومنطقية كنقطة للبدء، وأعني الفينومينولوجيا. البدء بما لا نملك سواه كمحاولة للفهم: خبرة الوعي بالأشياء، وبذاته.

السبت، 30 سبتمبر 2023

عن كتاب: "إلى الفلاحين الفقراء" - فلاديمير لينين

ثمة إدراك باستحالة انتصار نضال العمال دون انضمام الفلاحين، مع تشوش في تعريف الطبقة - في الخطاب الموجه إلى الفلاحين - بضمهم في إشارات هنا وهناك إلى مجمل الشغيلة، مع التأكيد صراحة وضمنا على تابعيتهم وأن الكراس توعوي بالأساس. هنا مكمن الضعف العام.

تعريف الطبقة الاجتماعية، في ضوء الصحة العامة لمجمل التحليل والهدف الإطاري، مسألة أكثر من راهنة. النضال هو طبقي بالأصل كمرد لكل تفرع مع تعريف واسع لكل العاملين بأجر من خالقي القيمة مع اغتراب عن ناتج قوة عملهم.

الفلسفة الألمانية التي تم استعمال قمتها المثالية - هيجل - لها الفضل في ابتناء التوجه الماركسي مع ضرورة تخليص الأخير من حتمياته بما يمتد للخيارات الروحانية الشخصية، والتي من بين نتائجها، أي تلك الحتميات، اصطفاء البروليتاريا الصناعية كنقيض هيجلي. لم تعد تلك البروليتاريا قائمة ولكن القضية العامة ملحة، ولا يلزم إيجاد مثلث هيجلي للتعامل معها.

وبالإضافة إلى الإدراك العميق لواقع الفئات التي يتم التوجه إليها بالخطاب، وبعيدًا عن جزئية إغرائها بالانضمام تحت قيادة العمال وطليعتهم من المثقفين، نجد رؤية ثورية تود تعبيد الطريق لمسار إصلاحي. فهناك تصور ممتد إلى المسار السياسي برمته وكافة مؤسسات الدولة، بما لا يمكن ماديًا إتمام أي تغيير لصالح المنتجين من فئات الشعب دون التعرض له وحله.

هناك إدراك كذلك لأهمية الحرية السياسية والديمقراطية المباشرة بالانتخاب بما يعطي مجالس العمال (المنتجين) سلطتها الحقيقية والجمع بينها وبين مسار اقتصادي يتناسب مع درجة تطور روسيا وقتها بما يدفع استمرار المبادرة الفردية، حيث لا يمكن القفز إلى الشيوعية مباشرة.

تصور عقلاني للتعامل مع المسألة الفلاحية حال انتصار الثورة، وأن الوصول إليه طريق طويل مشبع بمواجهة ميول رجعية متجذرة، عبر التدافع المستمر. الحسم القسري - بفرض كونه ممكنًا - يمكن أن يصنع نتائج مبهرة بمقاييس "الكفاءة" المحضة - والناتج لا يمكن اعتباره اشتراكية بأي معيار، وينطبق ذلك على روسيا الاتحاد السوفيتي والصين.. الخ - ولكنه، أي القسر المعمم، يجعل غالبية المجتمع خاصرة رخوة ومحلًا محتملًا لكل مشروعات الارتداد والتقسيم وبعث أحط القيم وتأييد تفكيك وتدمير كل المنجزات بلا ثمن يذكر!

التعامل مع المسألة الفلاحية تحت إلحاح الاعتقاد باضطرار إلى بناء الاشتراكية في بلد واحد كطريق للأممية - ستالين/ماو - دفع إلى تبرير مستويات هائلة من القسر واعتبارها مقبولة طلبا للحاق وضرورات التراكم الرأسمالي، بما خلق حدودا للأفق العام، بفعل المكون الأمني المسيطر عليه من العواصم، أنهت إمكانية القول بديمقراطية النظام السياسي، ناهيك عن تعرضه للتحلل الذاتي والتيبس والميل الطبيعي لأقطابه إلى فتح السوق ثم التحول إلى كومبرادور.

أود أن أتتبع كيف حدث التحول النظري في طرح لينين شخصيًا حين سنحت الفرصة للاستيلاء على السلطة ليتم القفز على ضرورة مراعاة طبيعة الاقتصاد والمجتمع الروسيين وتوهم كون روسيا "محطة" نحو الأممية بما خلق "ورطة" قتل الديمقراطية المباشرة والمبادرة الفردية معًا.

مسألة تابعية الفلاحين مع المناداة بالحرية السياسية في الوقت نفسه، بها تناقض حاول الحزب الثوري حله، ولكن التابعية كفيلة بإفساد ذلك الحل وتفريغه من معناه تماما.

كًتب هذا الكراس عام 1903، ولا يزال موضوعه الأصلي راهنًا.

الجمعة، 30 سبتمبر 2022

عن التطبيع؛ السياق وإطار المواجهة

(1)

المسار العادي للعيش في المنطقة بات يمر عبر وسيط له علاقة مع إسرائيل ومطبع معها. الأمر شامل حتى سماعك لبعض الموسيقى!

المسألة كارثية ومؤسفة وممتدة إلى المنح الدراسية للطلاب المتفوقين في إطارها الأشمل. المعادلة هي كالتالي: السبيل الوحيد لانتشال نفسك من مستنقع قومك هو الانضمام إلينا، وللفضاء العام شرط ارتقاء لا يحتاج إلى كبير ذكاء لاكتشافه: التقاط اللغة السارية واستبطان منطقها والعمل بمقتضاها، وإثبات إفادة قابلة للتجدد لصائغي أبجديتها. كل ذلك بغير إشارة: تعلم الهجاء وانخرط. كلمات لا تقال، وخلجات وجه لا تطفر! إن كنت جادًا بطلب التسلق. موقفك من اللغة وصائغي الأبجدية يحدد تطلعك. القادرون الساخطون على العزل يحولون أنفسهم إلى أمثولات مبتغاة، إلى مهزلة.

المسكوت عنه والمتعارف عليه ضمنيًا هو استبعاد أي خطاب معادٍ لإسرائيل كخط أحمر يستوجب الطرد الفوري من مجتمع المنح والجوائز والأوساط الثقافية والأكاديمية. أنت جزء من مشروع عام لتطوير "السكان المحليين"، أهلك، بما يتناسب مع ما يحدده السادة من أسس ومثل!

الأمر أكثر تعقيدًا من صورة المثقف العميل أو المتسلق الواعي. هذا هامشي جدًا قياسا إلى الاختراق العام، وهو أبعد من حرمان الطبقات المرشحة للمقاومة من أي طليعة محتملة.

(2)

فقدت الحدود القديمة لقضية الصراع مع إسرائيل ما بقي لها من معنى عملي، بينما الحاجة إليها ماسة: كانت "القضية" - على كل الخلل البنيوي فيها - تجسيدا لمقاومة مجموعة قيم ومصالح باتت الآن قائمة منتصرة متحكمة في كل تفاصيل الحياة. عنصر الاستمرار، الخالق للحاجة إلى الصراع، هو استحالة انتصار مجموعة القيم والمصالح المقابلة دون مواجهة وتنحية الخطر الإسرائيلي وتفكيكه بما يشمل البعد العسكري. مهما بدا هذا أقرب إلى الاستحالة منه إلى التحقق. هذا حظ بائس، ولكنه الشرط الخاص بالمنطقة التعسة. تطبيع العلاقات بين نظم المنطقة وإسرائيل والتعاون الكامل بين أعدائنا مفيد للغاية. هو وضوح دُفع ثمنه عبر خراب عقود من حكم طغم ما بعد "الاستقلال".

الشكل القديم من التعامل، فكرة القبض على جمر المبدأ مدعومًا بالشكل المشوه للمسألة باعتبارها قضية حق هوياتي، لا يساعد سوى التحالف الحاكم في المنطقة، وإسرائيل جزء منه منذ عقود، في اجتذاب الموهوبين في كل مجال، ضد مصالح أهلهم وطبقاتهم الاجتماعية، تحت بند الاستحالة بالذات سواء بشكل واعٍ أو غير واع.

هناك نضال إنساني مشروع لسكان أرض تم اقتلاعهم لحل مشكلة أوربية والحيلولة دون نهضة المنطقة. السعي للمستقبل يصطدم بإسرائيل حتمًا وأهل الأرض المقتلعين منها لهم حق العودة والاسترداد بكل الوسائل، فهم حلفاء طبيعيين للطبقات العاملة في المنطقة ورفقة السلاح هي لصنع مستقبل مشترك.

هذا هو الأمر وليس هوية الأرض منذ فجر التاريخ والاستناد إلى الأساطير على اختلافها. لم تعد الدعاوى من هذا النوع قادرة على الحشد بأي حال، وهي أساس واهٍ للمقاومة؛ فإن كانت الإرادة العليا قد قضت بالعلو الإسرائيلي في الأرض، فما من سبيل لإيقاف تلك الإرادة واقعيًا! مع الإحالة إلى آخر الزمان لحل المشكلة، فضلًا عن تحويلها إلى قضية دينية تضع السيادة لأولي الأمر من التنظيمات الإسلامية كشرط لصلاح المسلمين لاستحقاق النصر المنشود كوعد إلهي.

تسبب هذا التحول المأساوي لقضية الحق في خروج قطاعات واسعة من سكان المنطقة من نطاق الاهتمام بالأمر برمته، فضلًا عن أن مواجهة ما يبدو مستحيل التحقق لدوافع دينية لهي أمر جاذب للأشد إخلاصًا، أو للموتورين إن شئت. غير قابل للتعميم أو للبناء المادي عليه بمعركة أساسها العلم.

هو أيضًا سهل الدحض كأساس فكري، وملتبس جدًا لأن النصوص المستند إليها تستند في أصلها على النصوص الداعمة للطرف الآخر بما يمنحها المشروعية في حين لا توجد أية دلائل تاريخية على صحة ما ورد بالنبوءات اليهودية. يسهل أيضًا إثبات أن ما تم اعتباره مقدسات بالقدس مثلًا ترجع في أصلها إلى العهد الأموي. أيفترض بهذا الهراء أن يضعف قضية كتلك؟

الضعف التأسيسي لأيديولوجيا المقاومة كان سابقًا على مستنقع خطاب ما بعد فشل مشروع التحرر الوطني في صيغة القومية العربية. المخاطبات الرسمية المصرية كانت تشير إلى العدو الإسرائيلي بلفظة اليهود، ولإثارة حماسة الجنود في حرب التحريك تم توزيع منشور بأن أحد الصالحين قد شاهد في منامه من الرؤيا ما يدعم النصر، وإلى الآن تروج فكرة أن الملائكة حاربت!

الفكرة الإسرائيلية المقابلة، والتي نظّر لها شيمون بيريز، والناجحة في الجذب تخص الحياة المعاشة. نقطة قوة المقاومة كفكرة هي الأرضية المادية نفسها: "نوعية" الحياة المعاشة.

مناهضة التطبيع الحقة طلب مستقبل.

المستقبل التقدمي تطور تخلقه الدوافع الإنسانية الطبيعية يحمل النزوع إلى الأرقى تلقائيًا، وتخليقه مشروط بمعركة واسعة ضد "السياق" الذي أفرز ما نحن فيه، تشمل - حتمًا - مواجهة إسرائيل.

السبت، 21 مايو 2022

مهمة لا تجد عاتقًا يحملها

 إن قرارًا يخص مصلحة المنتجين الحقيقيين للقيمة، يتكون من المحاور التالية، كحد أدنى له ما يستتبعه:

 

1-   قصر الاستيراد على ما لا غنى عنه لاستمرار معيشة كريمة بالحد الأدنى للفئات المنتجة، بما يشمل مستلزمات إنتاج السلع المحققة لهذا الهدف.

 

2-    العمل على إحلال الواردات حسب الممكن محليًا (في حدود الهدف أعلاه) عبر التشغيل الجبري للمصانع الصالحة لهذا الغرض، بغض النظر عن هيكل ملكيتها الحالي، وتمويل ذلك عبر إيداعات / ثروات الفئات غير المنتجة (دون تعويض لأنه سداد لقيمة نمط حياة غير مستحق لعقود).

 

3-   مخاطبة الدائنين الخارجيين بالالتزام بسداد أصل الدين وخدمته ولكن عبر جدولة تتسق مع الفائض الممكن للبلد في ظل تطبيق الإجراءات أعلاه، وإعادة النظر في كافة المشروعات المسماة بالقومية في حدود ما سبق.

 

4-   الاستعداد لتغير في السياسة الخارجية بالانضمام إلى المحور المعادي للغرب لتوفير المتاح من السلع التي تحتاجها الخطة تحسبًا للعقوبات وعدم توافر الاحتياطي الدولاري، والحاجة إلى تسوية التعاملات بالعملات المحلية مع الدول الصديقة ما أمكن ذلك.

 

5-  إدراك أن ما سبق له تكلفة إنسانية يتعين على المنتجين تحملها، على جبهتين، حيث لم ُتخض حرب الاستقلال في هذا البلد، فلم يتم.


في كنف مفاعيل حرب كتلك ترقي عناصر البناء الفوقي جدليًا، وتشمل تسامحًا وفنًا وتحضرًا يلقي بجذوره لتمتد خارج نخبة وظيفية تابعة، ودونها تقف الماضوية الثقافية والعطش وما يستتبعان من توحش في الأفق كمصير ينتظر.

السبت، 23 أبريل 2022

على هامش قراءة قصة "الحمامة" - للكاتب باتريك زوسكيند

 

معيار التفرقة بين القصة والرواية عندي يتأتى الوصول إليه ببحث التمركز حول حدث رئيسي، من عدمه، ومدى كثافة السرد ضمن حوافه، إن وجد، لجهة عدد الشخصيات وامتداد زمن السرد - دون الإحالات والانتقال للأمام أو الخلف بألعاب التقنية.

تتمحور القصة حول حدث مركزي، ويكون زمن سردها زمنَ سريانه، ويقف بطلها بين عدد محدود من الشخصيات لهم صلة فعل أو تواجد بالحدث، ويكفي التصوير بذاته لخلق الدلالة. الخروج على مركزية الحدث يكون بالتصوير الأفقي لأحداث عادية، لا مركزي بينها، في النطاق المحدود ذاته لجهة الزمان والمكان والشخوص، لاستخلاص الدلالة الملقاة مهملة فيما لا تدركه العين بفعل رتابة التكرار، ودون حاجة لحدث مفارق.

الرواية أيضًا قد يحرك السرد فيها حدث مركزي! ولكنها تكتسب أحقيتها في الوجود حصرًا إن امتلكت من شحنة الدلالة والعمق، والتركيب والجمال الفني، ما لا يمكن تحقيقه بحال في ظل الشروط سالفة الذكر. يحق للرواية كسر تلك القواعد واحدة تلو الأخرى طلبًا لتصوير ما لا مفر من الإطالة لعرضه.

امتداد النص المكتوب في النهاية على الورق لا يحدد النوع، ومعيار مناسبته نفي الترهل، والحفاظ على التأثير حادًا، ناشبًا في الذهن والعاطفة دون زيادة، وثمة تساوٍ في أهميته بين القصة والرواية، ولا تهم المسميات في النهاية (قصة قصيرة جدًا - قصيرة - رواية قصيرة "نوفيلا".. الخ). المهم هو اجتناب نشر ما يمكن حذفه.

"الحمامة" قصة بهذا المعيار، لا رواية. وإن لم تكن بالقصيرة، فقد نجح مبدعها في الإمساك بالإيقاع بما جعل تصوير دقائق التفاصيل العادية حول الحدث، العادي ظاهريًا لأي إنسان سوى جوناثان بطل القصة، شرطًا رئيسًا للاستمتاع بالنص وفهم نطاق حياة البطل، براوٍ عليم، هو المناسب حصرًا؛ فلا أحد يمكن أن يفهم ما يجري بحياة جوناثان المتوحد المسكين هذا، وهو أكثر هشاشة من أن يروي.

الجمعة، 22 أبريل 2022

ما بقي للفلسفة من دور بعد ماركس

‏رد الحوادث والأفكار والتيارات الفلسفية إلى جذرها المادي له سحر، غير كاف بذاته للتجاوز. الاكتفاء يبرر الانطباع القاصر، من العالق بتمظهرات وظيفة الفلاسفة في علاقتها بالنظام الاقتصادي الاجتماعي السائد، بأن الرد سطحية تنم عن غياب التأهيل للمناقشة. أن تُعد حرفًا للمسار؛ تخريبًا.

التعامل مع الفلسفة بالاستهانة أو الاستخدام النفعي انطلاقًا من دورها (الحقيقي على مستوى الجذر) في الصراع الطبقي إهدار لأصل طويل الأجل، بلغة المحاسبة والاقتصاد، للطبقة العاملة في مسار تحررها الطويل. 

تفسير العالم بمعزل، مؤقت، عن الوعي بآلية عمل التفسير، هو جزء من مسار تغييره. الوعي هنا بما تفعل بينما تفعله أداة تنقية تفاعلية بينما تمضي، كآلة سن نصل السكين بالمطابخ، كإزاحة الزوائد البلاغية (المعادلة لعملية الخداع للنفس المولدة للاقتناع في حالة الفلسفات) وتركيز الطاقة على المعنى بتركيز الدلالة للنفاذ إلى العمق.

الجمعة، 15 أبريل 2022

عن رواية "البطء" - ميلان كونديرا

 لطف يسري ببطء منذ بدء النص. نص يروى مسارات أفكار.


الكتابات الجيدة بلغتنا سؤال مبثوث عبر ملاحظة الناس، عن دخائلهم ومحيطهم، علنا نفهم، كالمتلمس طريقه في الظلام. تلك على العكس رواية حكاية الفكر مجردًا.


فيها أيضا ما يغضبني حين أصادفه في غير موضعه، ولكن التوفيق صادفه بل وكان لازمًا، وأعني هنا كسر الإيهام.


[ يتحدث الكاتب عن نفسه؛ ما يناديه به أهله، وأصله التشيكي مخاطبًا أحد أبطاله بـ "مواطني".. الخ ]


في النهاية: مهما تنحى الكاتب ظاهريًا ليبسط مساحة رؤية فهو متحكم في العناصر الأساسية للتفاعل. هو من يضع المقادير في التحليل الأخير. خلف المقادير رؤية، وخلف الرؤية انحياز. يودع الكاتب نظرته إلى الحياة لدى عمله الفني (قاطعة كانت تلك النظرة أم متشككة تروم الاكتمال). من ثم يمكن، نظريًا، الاستغناء عن الإيهام تمامًا إن أمكن الاحتفاظ بتأدية الغرض.


ما الغرض؟ لماذا يعبر الفنان بوسائل غير الكلام المباشر طالما يمكن في النهاية أن يترجم ما وراء العمل الفني إلى كلمات؟


الإجابة - غير الجمالية - تكمن في الكثافة، وفي احتياج الرؤية المستمر إلى التشكل وإعادة الأخير بلا نهاية. يتم اللجوء إلى عدسة معينة للرؤية وأسلوب محدد للسرد بما يمكن معه التوقف مع كل بادرة للتأمل وخلق قلق واسع عبر وعي كل متلقي. إن اكتملت حقًا الرؤية (أي كانت من القصور) بحيث يعلم الكاتب بالضبط موقفه محيطًا بكل جوانب قلقه، يفقد العمل الفني مبرر وجوده وأصالة الشغف فيه ويتسلل إليه البرود. يكون "الشكل" هنا محض استنزاف لأرصدة ومهارات في تكرار الواضح حد الابتذال، ويكون العمل - مهما كان إتقان "الصنعة" فيه، محض بلاغة في الحد الأقصى.


هنا استغنى كونديرا عن الإيهام وعرض ببساطة شواغل روائي يكتب رواية خلال عطلة، وشواغل الشخصيات قيد التشكل كما يراها هو، بإيقاع أراده هادئًا ونجح وأحدث التأمل وأشرك القارئ في أسئلته.

 

هي جيدة، وافتقرت إلى النجمتين الباقيتين لقصور الكثافة فيها عن تبرير مساحة المباشرة (المحلولة بنائيًا).