السبت، 30 سبتمبر 2023

عن كتاب: "إلى الفلاحين الفقراء" - فلاديمير لينين

ثمة إدراك باستحالة انتصار نضال العمال دون انضمام الفلاحين، مع تشوش في تعريف الطبقة - في الخطاب الموجه إلى الفلاحين - بضمهم في إشارات هنا وهناك إلى مجمل الشغيلة، مع التأكيد صراحة وضمنا على تابعيتهم وأن الكراس توعوي بالأساس. هنا مكمن الضعف العام.

تعريف الطبقة الاجتماعية، في ضوء الصحة العامة لمجمل التحليل والهدف الإطاري، مسألة أكثر من راهنة. النضال هو طبقي بالأصل كمرد لكل تفرع مع تعريف واسع لكل العاملين بأجر من خالقي القيمة مع اغتراب عن ناتج قوة عملهم.

الفلسفة الألمانية التي تم استعمال قمتها المثالية - هيجل - لها الفضل في ابتناء التوجه الماركسي مع ضرورة تخليص الأخير من حتمياته بما يمتد للخيارات الروحانية الشخصية، والتي من بين نتائجها، أي تلك الحتميات، اصطفاء البروليتاريا الصناعية كنقيض هيجلي. لم تعد تلك البروليتاريا قائمة ولكن القضية العامة ملحة، ولا يلزم إيجاد مثلث هيجلي للتعامل معها.

وبالإضافة إلى الإدراك العميق لواقع الفئات التي يتم التوجه إليها بالخطاب، وبعيدًا عن جزئية إغرائها بالانضمام تحت قيادة العمال وطليعتهم من المثقفين، نجد رؤية ثورية تود تعبيد الطريق لمسار إصلاحي. فهناك تصور ممتد إلى المسار السياسي برمته وكافة مؤسسات الدولة، بما لا يمكن ماديًا إتمام أي تغيير لصالح المنتجين من فئات الشعب دون التعرض له وحله.

هناك إدراك كذلك لأهمية الحرية السياسية والديمقراطية المباشرة بالانتخاب بما يعطي مجالس العمال (المنتجين) سلطتها الحقيقية والجمع بينها وبين مسار اقتصادي يتناسب مع درجة تطور روسيا وقتها بما يدفع استمرار المبادرة الفردية، حيث لا يمكن القفز إلى الشيوعية مباشرة.

تصور عقلاني للتعامل مع المسألة الفلاحية حال انتصار الثورة، وأن الوصول إليه طريق طويل مشبع بمواجهة ميول رجعية متجذرة، عبر التدافع المستمر. الحسم القسري - بفرض كونه ممكنًا - يمكن أن يصنع نتائج مبهرة بمقاييس "الكفاءة" المحضة - والناتج لا يمكن اعتباره اشتراكية بأي معيار، وينطبق ذلك على روسيا الاتحاد السوفيتي والصين.. الخ - ولكنه، أي القسر المعمم، يجعل غالبية المجتمع خاصرة رخوة ومحلًا محتملًا لكل مشروعات الارتداد والتقسيم وبعث أحط القيم وتأييد تفكيك وتدمير كل المنجزات بلا ثمن يذكر!

التعامل مع المسألة الفلاحية تحت إلحاح الاعتقاد باضطرار إلى بناء الاشتراكية في بلد واحد كطريق للأممية - ستالين/ماو - دفع إلى تبرير مستويات هائلة من القسر واعتبارها مقبولة طلبا للحاق وضرورات التراكم الرأسمالي، بما خلق حدودا للأفق العام، بفعل المكون الأمني المسيطر عليه من العواصم، أنهت إمكانية القول بديمقراطية النظام السياسي، ناهيك عن تعرضه للتحلل الذاتي والتيبس والميل الطبيعي لأقطابه إلى فتح السوق ثم التحول إلى كومبرادور.

أود أن أتتبع كيف حدث التحول النظري في طرح لينين شخصيًا حين سنحت الفرصة للاستيلاء على السلطة ليتم القفز على ضرورة مراعاة طبيعة الاقتصاد والمجتمع الروسيين وتوهم كون روسيا "محطة" نحو الأممية بما خلق "ورطة" قتل الديمقراطية المباشرة والمبادرة الفردية معًا.

مسألة تابعية الفلاحين مع المناداة بالحرية السياسية في الوقت نفسه، بها تناقض حاول الحزب الثوري حله، ولكن التابعية كفيلة بإفساد ذلك الحل وتفريغه من معناه تماما.

كًتب هذا الكراس عام 1903، ولا يزال موضوعه الأصلي راهنًا.

ليست هناك تعليقات: