السبت، 23 أبريل 2022

على هامش قراءة قصة "الحمامة" - للكاتب باتريك زوسكيند

 

معيار التفرقة بين القصة والرواية عندي يتأتى الوصول إليه ببحث التمركز حول حدث رئيسي، من عدمه، ومدى كثافة السرد ضمن حوافه، إن وجد، لجهة عدد الشخصيات وامتداد زمن السرد - دون الإحالات والانتقال للأمام أو الخلف بألعاب التقنية.

تتمحور القصة حول حدث مركزي، ويكون زمن سردها زمنَ سريانه، ويقف بطلها بين عدد محدود من الشخصيات لهم صلة فعل أو تواجد بالحدث، ويكفي التصوير بذاته لخلق الدلالة. الخروج على مركزية الحدث يكون بالتصوير الأفقي لأحداث عادية، لا مركزي بينها، في النطاق المحدود ذاته لجهة الزمان والمكان والشخوص، لاستخلاص الدلالة الملقاة مهملة فيما لا تدركه العين بفعل رتابة التكرار، ودون حاجة لحدث مفارق.

الرواية أيضًا قد يحرك السرد فيها حدث مركزي! ولكنها تكتسب أحقيتها في الوجود حصرًا إن امتلكت من شحنة الدلالة والعمق، والتركيب والجمال الفني، ما لا يمكن تحقيقه بحال في ظل الشروط سالفة الذكر. يحق للرواية كسر تلك القواعد واحدة تلو الأخرى طلبًا لتصوير ما لا مفر من الإطالة لعرضه.

امتداد النص المكتوب في النهاية على الورق لا يحدد النوع، ومعيار مناسبته نفي الترهل، والحفاظ على التأثير حادًا، ناشبًا في الذهن والعاطفة دون زيادة، وثمة تساوٍ في أهميته بين القصة والرواية، ولا تهم المسميات في النهاية (قصة قصيرة جدًا - قصيرة - رواية قصيرة "نوفيلا".. الخ). المهم هو اجتناب نشر ما يمكن حذفه.

"الحمامة" قصة بهذا المعيار، لا رواية. وإن لم تكن بالقصيرة، فقد نجح مبدعها في الإمساك بالإيقاع بما جعل تصوير دقائق التفاصيل العادية حول الحدث، العادي ظاهريًا لأي إنسان سوى جوناثان بطل القصة، شرطًا رئيسًا للاستمتاع بالنص وفهم نطاق حياة البطل، براوٍ عليم، هو المناسب حصرًا؛ فلا أحد يمكن أن يفهم ما يجري بحياة جوناثان المتوحد المسكين هذا، وهو أكثر هشاشة من أن يروي.

ليست هناك تعليقات: