لطف يسري ببطء منذ بدء النص. نص يروى مسارات أفكار.
الكتابات الجيدة بلغتنا سؤال مبثوث عبر ملاحظة الناس، عن دخائلهم ومحيطهم، علنا نفهم، كالمتلمس طريقه في الظلام. تلك على العكس رواية حكاية الفكر مجردًا.
فيها أيضا ما يغضبني حين أصادفه في غير موضعه، ولكن التوفيق صادفه بل وكان لازمًا، وأعني هنا كسر الإيهام.
[ يتحدث الكاتب عن نفسه؛ ما يناديه به أهله، وأصله التشيكي مخاطبًا أحد أبطاله بـ "مواطني".. الخ ]
في النهاية: مهما تنحى الكاتب ظاهريًا ليبسط مساحة رؤية فهو متحكم في العناصر الأساسية للتفاعل. هو من يضع المقادير في التحليل الأخير. خلف المقادير رؤية، وخلف الرؤية انحياز. يودع الكاتب نظرته إلى الحياة لدى عمله الفني (قاطعة كانت تلك النظرة أم متشككة تروم الاكتمال). من ثم يمكن، نظريًا، الاستغناء عن الإيهام تمامًا إن أمكن الاحتفاظ بتأدية الغرض.
ما الغرض؟ لماذا يعبر الفنان بوسائل غير الكلام المباشر طالما يمكن في النهاية أن يترجم ما وراء العمل الفني إلى كلمات؟
الإجابة - غير الجمالية - تكمن في الكثافة، وفي احتياج الرؤية المستمر إلى التشكل وإعادة الأخير بلا نهاية. يتم اللجوء إلى عدسة معينة للرؤية وأسلوب محدد للسرد بما يمكن معه التوقف مع كل بادرة للتأمل وخلق قلق واسع عبر وعي كل متلقي. إن اكتملت حقًا الرؤية (أي كانت من القصور) بحيث يعلم الكاتب بالضبط موقفه محيطًا بكل جوانب قلقه، يفقد العمل الفني مبرر وجوده وأصالة الشغف فيه ويتسلل إليه البرود. يكون "الشكل" هنا محض استنزاف لأرصدة ومهارات في تكرار الواضح حد الابتذال، ويكون العمل - مهما كان إتقان "الصنعة" فيه، محض بلاغة في الحد الأقصى.
هنا استغنى كونديرا عن الإيهام وعرض ببساطة شواغل روائي يكتب رواية خلال عطلة، وشواغل الشخصيات قيد التشكل كما يراها هو، بإيقاع أراده هادئًا ونجح وأحدث التأمل وأشرك القارئ في أسئلته.
هي جيدة، وافتقرت إلى النجمتين الباقيتين لقصور الكثافة فيها عن تبرير مساحة المباشرة (المحلولة بنائيًا).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق