الاثنين، 26 فبراير 2024

اشتراكية المستقبل!

 تمثل التناقضات داخل الدول الصاعدة الطامحة لدور أكبر قد يصل إلى إعادة تشكيل النظام العالمي مفتاحًا شديد الأهمية لجهة علاقتها بشكل مستقبل النظام.

ما يمكن تصوره عن اشتراكية القرن الحالي لن يكون مصدره التناقض بين الطبقة العاملة والرأسمالية في الاقتصادات الرأسمالية الأكثر تقدمًا، وإنما ضغط من دول الجنوب ينهي الريع الإمبريالي بحيث يصبح تواطؤ الطبقة العاملة مع الرأسمالييين بالشمال مستحيلًا. 

أي أن الرجل الأبيض، بغير المعنى المستخدم من نفاية الهوياتيين، عليه أن يدفع ثمن رفع مستوى معيشة الناس في الجنوب على حساب معيشته بالذات، فسمنة الأمريكيين ممولة بمجاعات الأفارقة. عليه أن يدفع ثمن ما تمت سرقته سابقًا وأدى إلى إفقار وتعاسة الجنوبيين، هؤلاء الذين تظهر أحوالهم المعيشية بفيديوهات على فيسبوك تدعو أمثالي إلى التبرع لهم! 

(أعدها نقيصة أن يعد الفقير دعمه لصاحبه تبرعًا، خاصة إن أخذ شكل التضامن مع معتنقي عقيدة بعينها. هو تعاضد واجب بين أقران يتشاركون التعرض للنهب بدرجات تأثر مختلفة. من يجب إجباره على الدفع هو الناشط اليساري البيئي في دول الشمال ممن يقضي وقته في محاولة إنقاذ كوكب الأرض من التغير المناخي عبر التوعية وإراقة زجاجات الألبان بالسوبر ماركت!) 

هذا التحول - بإنهاء الريع الإمبريالي عبر التضامن بين دول الجنوب وخوض معارك مع التشكيلات العسكرية للرأسمالية الغربية ومنها عقوبات أمريكا وعسكرة الدولار - هو ما سيدفع إلى انضمام الشمال إلى ثورات الجنوب، وليس العكس. 

عالم أكثر عدالة يحسن تمثيل سكان الأرض بالنسبة إلى اتخاذ القرارات بشأن مصيره، على النحو الوارد بديباجات "بريكس" الصحيحة، لن يتأتى عبر نماذج أتوقراطية تدير تحالفات لصوصية كقادة دول البريكس في صيغته قبل التوسع، أو بعده! وإنما بصعود تحالفات طبقية تتمكن من إعادة تشكيل مجتمعاتها وتتعامل مع الدول التي تطمح إلى استبدال أمريكا، كالصين، بتوزان يدرك أن مصلحة جميع المنتجين تتأتى بتقليص نفوذ الغرب ونزع عسكرته، دون خلق امبريالية جديدة؛ إذ تود رأسماليات الدول الصاعدة جنوبًا استدامة قدرتها على نزع الفائض بمد النفوذ على الطبقات العاملة بدول أخرى تشكل أسواقًا وممرات لمنتجاتها. على التعامل مع دول كالصين أن يكون دافعًا إلى تمكين الطبقة العاملة بها من إنجاز استعادة ملكيتها لوسائل الإنتاج التي خلقتها عبر استغلالها المفجع مرتين؛ قبل التحول إلى اقتصاد السوق، وبعده. 

تلك المهمة شديدة الوطأة - الضغط الوازن وخلق تكتل واسع بين دول الجنوب وثوراتها الصاعدة المأمول حدوثها - تقع على عاتق الأشد تخلفًا وضعقًا وغرقًا في الصراعات الهويتاتية البدائية. 

إن كان ثمة مستقبل للاشتراكية، أي إن سمح المحدد المادي بخلقه كإمكانية، فسيكون عبر صيغة شديدة الاختلاف من الأممية، غير مثقلة بتحديدات صارمة باتت من الماضي، تتتبنى الديمقراطية كوسيلة تدعيم واستدامة سيطرة المنتجين على شروط إعادة إنتاج الحياة، وتتعاضد وفق شروط الواقع سعيًا إلى تجاوزه.

ليست هناك تعليقات: