الخميس، 10 يناير 2019

المنهج الجدلي عند هيجل – د. إمام عبد الفتاح إمام (6/6)



الجدل الهيجلي والماركسية

القوانين الأساسية للجدل الماركسي، كما ترد في كتب الماركسيين:

1-    التغير من الكم إلى الكيف والعكس: عند بلوغ درجة معينة تتحول التغيرات الكمية إلى تغيرات في الكيف.
2-  صراع الأضداد وتداخلها: إذا كان العالم بما فيه من ظواهر في حركة مستمرة وتغير لا ينقطع فإن سبب هذه الحركة هو التناقض الكامن في الأشياء. ومعنى ذلك أن العلة الأساسية لتطور الأشياء لا توجد خارجها، وإنما تكمن في جوفها فالطبيعة المتناقضة للأشياء هي خاصية ماهوية من خصائصها. كل ظاهرة تحوي في جوفها متناقضات متصارعة، وصراع الأضداد هذا هو الذي يولد الحركة ويبعث التطور.
3-    نفي النفي: سير التطور كله عبارة عن سلسلة من نفي النفي؛ كل مرحلة تنفي سابقتها ثم تنفيها هي نفسها مرحلة ثالثة وهكذا. غير أن النفي هنا لا يعني الفناء، وإنما كل مرحلة "تنفي وتحتفظ" في وقت واحد بالمرحلة السابقة: هدم وتطور أبعد.

وهي كلها مأخوذة عن هيجل دون إضافة، وكذلك كل المقولات التي ترد في كتابات الماركسيين مأخوذة عن هيجل. تلك هي الفكرة التي يؤكد عليها د. إمام عبد الفتاح إمام في الفصل الذي خصصه للحديث عن العلاقة بين هيجل والماركسية، فهو يؤكد، واستشهادًا بمقتطفات كثيرة لماركس وإنجلز ولينين، على الآتي:

-    لا يوجد "جدل ماركسي"؛ فما فعله ماركس هو تغيير نقطة البدء في منطق هيجل نفسه بما ينزع عنه قشرته المثالية الصوفية بغية تصحيح نواقصه في صورته التي انتهى إليها في كتب هيجل الرئيسية.

-    الماركسية لم تفعل سوى محاولة تطبيق الجدل الهيجلي في مجالين رئيسيين: الاقتصاد والاجتماع والتاريخ من جانب، والطبيعة من جانب آخر، وخص بالذكر محاولة تطبيقه على الطبيعة، والمقصود هو "جدل الطبيعة" لإنجلز (وهو مخطوطات نشرت بعد وفاته) وذكر رأيه بأنها محاولة فاشلة فيها الكثير من التعسف.

***

هامش رقم (4):

-    سبق توضيح المشكلة الرئيسية في المنهج الجدلي التي تنزع عنه قدرته التفسيرية وإمكانية التعويل عليه فلسفيًا، دون انتقاص من أهمية الإسهام الهيجلي في تاريخ الفلسفة.

-    قدم د. إمام عبد الفتاح إمام تقييمًا موسعًا للجدل الهيجلي تحت عنوان "نقد وتقدير" خلال الصفحات من 338 إلى 366، وارتكز جوهره على نقاط قمنا باستخلاصها في الهامشين السابقين.

-    خلال الصفحات من 291 وحتى 334، قدم د. إمام دراسة يتناول بها العلاقة بين هيجل والماركسية. تضمنت التعريض بالماركسيين اللينينيين في تبجحهم بتهميش هيجل وتبجيل ماركس دون طلب من الأخير وفيما لم ينسبه إلى نفسه.

-    اختلاف تفسير هيجل نفسه بين أبناء مدرسته كان يرجع بالأساس إلى انقسام أبناء المدرسة إلى يمين ويسار، ويرى الماركسيون اللينينيون أن الماركسية نظرية ثورية تحملها الطبقة العاملة وعيًا مناهضًا للوعي البرجوازي والمهيمن ضمن بنية فوقية.

-    المهم في سياق هيجل وماركس هو تقييم ناتج عمل ماركس الفيلسوف (دون ماركس محلل النظام الرأسمالي، ودون ماركس المنظر الثوري)، لجهة قيمة الجدل الماركسي الفلسفية، قياسًا إلى مهمة الفلسفة كما حددها هيجل، وبما لا ينتقص في كل الأحوال (وكما هو الحال مع هيجل) من قيمة الرجل وإسهامه تاريخيًا.

-    يرى ماركس أن هيجل فشل لأنه بدأ بداية خاطئة بتأكيده أسبقية الفكر ورد المادة إليه، بهدف عقلنة الإله وإنقاذه بنسق فكري جبار لا تضاهيه الميتافيزيقيا القديمة، ولكنها بداية كفيلة بالإقحام والفشل. بينما المادية، يرى ماركس، كفيلة بإنقاذ المنهج الجدلي وبيان عظمته وقدرته التفسيرية. أي أن ماركس غير نقطة البدء، لتصبح المادة بدلًا من الفكر، فصوب حركة النموذج وتخلص من عيوبه، وهذا هو ما يتعين تحريه: مدى نجاح ماركس في مهمته الفلسفية تلك، والحكم على النموذج الفلسفي الناتج لجهة قدرته التفسيرية إذا اتسق، فتلك قضية أخرى.

-    من كل ما سبق تتبين أهمية كتابين بالتحديد في تحديد إطار ما تعنيه "الماركسية"، ونطاق عملها: "رأس المال" لكارل ماركس، و"جدل الطبيعة" لإنجلز؛ ففساد وقصور منطق هيجل، له نتائج هامة جدًا؛ إذ يصبح "رأس المال" إضاءة هامة في مجاله يمكن انتقادها وتخطيها وتصحيح مسارها بناء على معطيات معينة، ويصبح تعيين حدود فكرة "جدل الطبيعة" تحريرًا لمجال النضال الاجتماعي من تأثير مجال نظرية المعرفة.

ليست هناك تعليقات: