الأحد، 6 يناير 2019

المنهج الجدلي عند هيجل – د. إمام عبد الفتاح إمام (5)



مثال على تطبيقات المنهج الجدلي:
من طريق الجدل - الوجود

سبق توضيح أضلاع المثلث الجدلي الهيجلي، وكيف يتم الانتقال بين المثلثات، أو كيف تتوالد المقولات بعضها من بعض. يمكن تلخيص الانتقالات الرئيسية بمثلث يتم فيه الانتقال بين الوجود (إيجاب - مباشرة)، والماهية (سلب – توسط)، والفكرة الشاملة (المباشرة التي دخلها السلب).

في تلك التدوينة نتتبع طرفًا من حركة المنطق بين المثلثات التي تندرج تحت المثلث الرئيسي الأول: الوجود. تحديدًا: أضلاع المثلث الأول من مثلثات مقولة الوجود الثلاثة، وهو مثلث مقولة "الكيف". وهو كاف لاستنتاج سأعرضه أدناه تحت عنوان "هامش رقم (3)". لأغراض سلاسة العرض سيتم الانتقال بتتابع يتناسب مع فكرة التوالد التلقائي الهيجلية مع التمييز بين المثلثات من خلال أرقامها، وحدود كل مثلث يرمز إليها بالرموز "أ" (مباشرة)، و"ب" (سلب)، و"ت" (مباشرة دخلها السلب).

مقولة الوجود، الرئيسية من بين مقولات رئيسية ثلاث، تتضمن ثلاث مقولات فرعية تنقسم بدورها إلى مقولات فرعية.

المقولات الثلاث المنضوية تحت مقولة "الوجود" الرئيسية" هي: الكيف، والكم، والقدر.

***

مقولات (مثلثات) الكيف؛ الضلع الأول من مثلث الوجود، الذي هو بدوره الضلع الأول من مثلت المنطق الجدلي الذي ينتقل بالتوسط (السلب) إلى مقولة الماهية (الضلع الثاني) المفضية إلى الفكرة الشاملة:

[1] الوجود

(أ‌)      نقطة البداية هي الوجود الخالص: وهو تجريد صرف؛ انمحاء أصيل للسمات يسبق كل طابع وهو أولها جميعًا.

(ب‌) لما سبق من تحديد سمات الوجود الخالص فإنه ليس إلا العدم لا أكثر ولا أقل؛ لأن الشيء الذي يخلو تمامًا من كل تحديد أو تعين هو بالضبط ما نقصده بالعدم.

(ت‌)  كلما وصلنا إلى الوجود وصلنا إلى العدم والعكس صحيح، فكل منهما يؤدي إلى الآخر، وهذه الحركة – حركة الانتقال – هي الصيرورة.  

[2] الوجود المتعين: الصيرورة (انتقال الوجود إلى العدم والعكس) تنتج اتحادًا متوازنًا بين الوجود والعدم: وجود يتحد مع السلب في هوية واحدة نسميه الوجود المتعين؛ أن يكون الشيء موجودًا من خلال "الكيف". فلو كنا نتحدث عن الأكسجين فهو له كيف معين هو المساعدة على الاشتعال، فإذا هدمنا هذا الكيف فلن يكون بعد أكسجينًا.

(أ‌)   يكون الشيء موجودًا بتعينه، أي بالكيف الذي يعبر عن وجوده، فإذا كان الشيء يتصف بصفات معينة كأن يكون لاذع المذاق أبيض اللون، على شكل مكعبات... الخ قلنا إن هذا الشيء هو الملح.

(ب‌) هذا الكيف سلب يضع حدًا للشيء، أي أن كون الشيء ملحًا معناه أنه ليس بسكر أو دقيق. هذا معناه أن الشيء المتعين متناهٍ، فهو في مقابل آخر يقوم بإزائه. الشيء والآخر ضدان، والشيء متناهٍ والآخر هو اللامتناهي، ولكنه لا متناهي زائف لأن هذا الآخر هو نفسه شيء، وعلى ذلك يعود بدوره متناهيًا.

(ت‌) نصل هنا إلى اللامتناهي الحقيقي: الشيء الذي يحدد نفسه بنفسه ولا يحدده شيء آخر لأنه امتص الآخر في جوفه. نصل الآن إلى مرحلة الوجود للذات.

[3] الوجود للذات: هو ذلك الوجود الذي يختفي فيه الآخر بحيث يصبح جزءًا مكونًا لوجود الذات.

(أ‌)      الوجود للذات ألغيت فيه التفرقة بين الشيء والآخر حيث فني الآخر في الذات، فلم يبق أمامنا سوى وحدة أو سوى واحد.

(ب‌) الوجود للذات يمتص الآخر في جوفه ولكنه لا يزال موجودًا وعلاقته بنفسه هي عبارة عن علاقته بالآخر. الواحد يميز ذاته من ذاته أو هو يطرد نفسه بنفسه، فالعلاقة السلبية بين الواحد ونفسه يمكن أن نسميها بالطرد، وهذا الطرد يؤدي بنا إلى آحاد كثيرة.

(ت‌) الآحاد الكثيرة كل منها واحد، أو كل منها واحد من الكثير، فالكثرة بالتالي واحد وهي هي نفسها ومن ثم يتحد بعضها مع البعض الآخر. والطرد هو علاقة الواحد بالواحد الآخر، وبما أن الواحد متحد مع الواحد الآخر، فإن علاقته بهذا الواحد هي عبارة عن علاقته بنفسه، وعلاقته الذاتية بين الواحد ونفسه عبارة عن جذب وبالتالي فالطرد والجذب متحدان.

---
 
هامش رقم (3):

كثيرًا ما يكون الضلع الثالث من المثلث الهيجلي مقحمًا، كطريقته في الانتقال غير التلقائي بين "الوجود المتعين" و"الوجود للذات"، والذي لا يمكن تعليله من داخل النموذج ولا رده إلى ما هو خارجه - سوى التحيزات المسبقة - فلا يظل سوى الهندسة العقلية الصبورة والقادرة على ابتناء نموذج بالغ الضخامة.

ليست هناك تعليقات: