مهمة الفلسفة عند هيجل، وما يلزم لتحقيقها
وجود الظواهر
المتناقضة يحتاج إلى تفسير. لا يكفي أن نقول عن السراب إنه وهم، فلابد من تفسير
"مقبول". التفسير المقبول هو ما يقبله العقل. العقل ينشد
"الضرورة" في فهم الظواهر حتى يقبل التفسير؛ أي أن يبدو كل شيء في مكانه
المناسب: كل شيء له معناه الخاص الذي يستمده من وضعه داخل هذا الكل الهائل الذي
نسميه بالوجود.
مهمة الفلسفة إذًا: هي تفسير الظواهر تفسيرًا
عقليًا يبرر ضرورتها.
المنهج الجدلي
ودور المنطق لدى هيجل:
التفسير الذي
يمثل مهمة الفلسفة بحاجة إلى "منهج"، وهو منهج عقلي، يعبر عن نسيج
العقل، ونسيج العقل بحسب هيجل: مجموعة هائلة من المقولات المتناقضة التي ترتبط
فيما بينها ارتباطًا عضويًا ضروريًا والتي تتوالد بعضها من بعض توالدًا ذاتيًا.
عملية التوالد تلك هي "المنهج الجدلي"، وهو موضوع دراسة علم المنطق،
والمنطق، بهذا المعنى، هو أساس الفلسفة الهيجلية برمتها؛ فبحسب الكيفية التي يتم
بها التوالد يتم الانتقال من المنطق (دراسة طبيعة الفكر الخالص أو دراسة الحياة
الباطنية للعقل) إلى فلسفة الطبيعة إلى فلسفة الروح.
هذا الدور الذي
أولاه هيجل إلى المنطق يرفعه عن مجرد كونه نشاطًا ذهنيًا وإطارًا يمكن تطبيقه على
موضوعات خارجية.
المناهج
المرفوضة لدى هيجل:
(1)
منهج الحدس الصوفي: الوصول إلى
الحقيقة بشكل مباشر من خلال تجليات فردية؛ فللأدبيات الصوفية بعد جمالي ولكن
مقدرتها التفسيرية لا يعول عليها.
(2)
المنهج التجريبي: لافتقاره إلى
الضرورة التي ينشدها العقل؛ فنقطة بدايته معطيات ومسلمات لا هي مفسرة ولا مستنبطة،
ولعدم اهتمامه ببحث علاقة الارتباط بين الجزئيات والنتائج الكلية التي تترتب على
تتبعها، ولا بين الجزئيات بعضها البعض.
(3)
المنهج الرياضي: لافتقاره كذلك
إلى الضرورة التي ينشدها العقل بين المسلمة أو التعريف وبين النظرية.
لا ينبغي
للفلسفة أن تستعير منهجًا يتنافى مع المنهج العقلي، والمنهج العقلي هو المنهج
الجدلي: توالد المقولات المتناقضة، المترابطة فيما بينها ارتباطًا ضروريًا، بعضها
من بعض. بحسب هيجل فإن اعتبار المنهج الجدلي منهجًا وحيدًا مناسبًا للفلسفة ليس
مجرد فرضية تأليفية، وإنما يتم استباط تلك النتيجة من خلال الدائرة الثالثة من
المنطق: أن المنهج الجدلي ضرورة يمليها الفكر نفسه.
هناك تعليق واحد:
إرسال تعليق