تعريف بسمات المنهج الجدلي
المنهج الجدلي له
خطوات ثلاث، حركة ثلاثية: إيجاب وسلب ثم جمع بينهما، أي إيجاب دخله السلب. والمنهج
في حركته ينتقل بين كليات: من كلي إلى كلي يجمع بينهما كلي ثالث. أي أنه لا يتعامل
قط مع الجزئيات. الكلي عبارة عن تصور والتصور عبارة عن فكرة والفكر هو موضوع نشاط
العقل ونشاط العقل هو المنهج الجدلي.
هناك كليات
مستمدة من الحس، كالمنضدة والشجرة، وكليات شبه حسية، مثل كليات الرياضة كالدائرة
والمربع، وكليات خالصة وهي المقولات كالوجود والعدم.
الكلي، أيًا
كان نوعه، أشبه ما يكون بالقطرة من ماء البحر فيها ملوحته وجميع خصائصه، ولهذا نجد
أنه هو نفسه عبارة عن حركة ثلاثية. هذه الخطوات الثلاث لا تمثل 3 مراحل بل خطوة
واحدة ثلاثية الإيقاع، أو هي 3 جوانب لشيء واحد فهي مدمجة في ناتج واحد هو ما
نسميه بالكلي.
مثال: نحاول
إثبات أن "الآن" شيء جزئي ونقول إنها "ليل"، وهذا إيجاب، ثم
يتضح أنها ليست هذا الشيء الجزئي، أي أننا نسلب عن "الآن" هذا الشيء
الجزئي فننفي أن "الآن ليل" وإنما "الآن" تنطبق على أي لحظة
من الزمن، ثم في خطوة ثالثة نجمع بين هاتين الخطوتين في ناتج واحد (هو الذي يعبر
عن حقيقتهما وهو ماهيتهما وهو الأساس فيهما) وهذه الخطوة الثالثة نتبين فيها أن
"الآن" كلية، أي أنها فعلًا ليل وأنها فعلًا ليست ليلًا في وقت واحد.
حقيقة الموضوع
هي الكلي. نصل إلى هذا الكلي عن طريق سلب الجزئي، والسلب توسط. المباشرة أدت بنا
إلى السلب أي التوسط الذي أدى إلى مباشرة جديدة: مباشرة دخلها السلب.
من خيوط المنهج
الجدلي إن سيره لا يؤدي بنا إلى شيء جديد كل الجدة وإنما يُظهر فقط ما كان مستترًا
أو خافيًا.
***
خطوات المنهج الجدلي – المثلث الجدلي:
1-
الحد الأول في كل مثلث من عمل الفهم (الجانب المجرد أو جانب الفهم -
المباشرة).
2-
الحد الثاني من عمل العقل السلبي (الجانب الجدلي، أو الجانب السلبي للعقل -
التوسط).
3-
الحد الثالث من عمل العقل الإيجابي (الجانب النظري أو الإيجابي للعقل –
المباشرة التي دخلها السلب).
توضيح:
- هذه
الجوانب الثلاثة هي مراحل أو لحظات لكل فكرة منطقية وكل حقيقة أيًا كانت. كلمة
"الجدلي" تطلق على العملية كلها، وتطلق كذلك على لحظة السلب:
اللحظة الجدلية.
- الحركة
الجدلية هي حركة الحدود الثلاثة – المنهج الجدلي هو سلسلة المثلثات التي
تنتجها الحركة.
- كل مثلث يعبر
عن خصائص العقل من ناحية، وجميع المراحل من ناحية أخرى ليست إلا شريطًا
طويلًا لشيء واحد هو العقل.
- إذا خلصنا
الفكر من انغماسه في المحسوسات ودرسناه في طبيعته الخالصة كنا أمام المنهج
الجدلي في صرامته المنطقية الكاملة. هذه الصورة الخالصة هي استنباط المقولات
أو توالدها ذاتيًا بعضها من بعض.
الفهم والعقل بجانبيه الإيجابي والسلبي:
- الفهم
يؤكد الفروق والاختلافات، والعقل يكشف عن الوحدة الكامنة وراء الاختلافات:
عند الفهم ("أ" و"ب") إما أن يكونا متحدين أو مختلفين أما
عند العقل فهما متحدان ومختلفان في آن واحد.
- للعقل
جانبان: جانب سلبي يحطم موقف الفهم وجانب إيجابي يقوم بعملية التوحيد ويكشف
عن الهوية الكامنة وراء الاختلاف، وهما جانبان لشيء واحد.
***
اللغة والفكر والمادة والمنهج الجدلي:
- هيجل يعلق
أهمية كبرى على اللغة: هي وسيلة الفكر أو المستودع الرئيسي لأنماط الفكر.
- عملية
التفكير مرتبطة بالإطار اللغوي: نحن لا نفكر إلا في الكلمات والأسماء وحدها.
اللغة عمل من أعمال الفكر، والفكر عبارة عن مجموعة من التصورات أو الكليات.
هذه الكليات هي الماهية الحقيقية لجميع الأشياء الجزئية.
- المعرفة
تنشد الكلي: لأن الكلي هو الوجود الماهوي والوجود الحقيقي والموضوعي للأشياء.
لكي نكشف عن حقيقة الأشياء لا يكفي النظر إليها وإنما نستجمع قدراتنا ونحول
ما هو مباشر إلى شيء متوسط أو باختصار تحويل الأشياء المادية إلى فكر. جميع
العصور السابقة (على هيجل) كانت على اقتناع بأن الطريقة الوحيدة لبلوغ الجوهر
الدائم في الأشياء هي تحويل الظواهر الموجودة أمامنا عن طريق الفكر.
- الفكر هو
جوهر الأشياء وهو حقيقتها، ولا يصدق ذلك على الأشياء المادية وحدها وإنما
ينسحب كذلك على جميع الموجودات. الفكر هو الجوهر الذي تتألف منه الأشياء
الخارجية والموجودات الروحية (ففي كل نشاط عقلي يوجد الفكر).
- إذا كان
الفكر هو جوهر الأشياء وماهيتها وهو جدلي الطابع فإن كل الأشياء الأخرى
جدلية. الجدل هو مبدأ كل حركة وكل حياة وكل ما يتم عمله في العالم بل إنه
أيضًا روح كل معرفة علمية حقة، وآثاره موجودة في جميع المجالات الجزئية في
العالم الطبيعي والعالم الروحي على السواء.
هامش رقم (2):
نلحظ هنا نتيجة دمج المادي في نظام الفكر، الذي لا يحل
بغير وحدة الوجود كما سبقت الإشارة بالهامش السابق، وأعني انطباق خطوات الجدل على
المادي، بما يخضع موضوع علم الطبيعة للفكر - فكر هيجل.
هنا جذر ما بقي في الماركسية الأولى من "جدل
الطبيعة" - بما يمكن تناوله مستقلًا - بما قد يتعارض مع العلم بلا ضرورة، نتيجة
الشكل "العقائدي" الذي اتخذته.
النظر إلى هيجل وماركس كحلقات في تطور الفكر يسمح
بالتفكيك وتمييز ما استحق البقاء عبر التمظهرات الفكرية اللاحقة المتضمنة له، وهي
للمفارقة الطريقة الهيجلية نفسها في النظر. يكون هيجل بذا مطورًا للمنطق، وينقل
ماركس الفكر إلى الواقع والتاريخ محددًا "أسس" العلاقة بين البنيتين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق