الجمعة، 11 فبراير 2022

في "السكرية"، قام محفوظ بفعل لفت اتباهي تمامًا: في الفصل الثامن والثلاثين أحدث تغييرًا للراوي لأول مرة منذ بدأت الثلاثية، وهي رواية واحدة تم تقسيمها، من العليم إلى المتكلم المشارك، بلسان أمينة، في المشهد التالي مباشرة للتصوير البديع المهيب لوفاة أحمد عبد الجواد. وعاد بعد الفصل الوحيد إلى العليم.

 

النقلة الضخمة غير مبررة، ولم تضف شيئًا أبدًا؛ إذ استخدم محفوظ صوتها في سرد التغيرات التي طرأت بعد وفاة الأب بنفس النبرة والطريقة الحاكمة للعمل ككل. وُصفت مشاعرها كما توصف كل مشاعر الأبطال الآخرين في المواقف المختلفة، واقتصر الفارق على عملية تحويل روتينية للضمائر. تغيير نوعي كهذا كان يستلزم بالضرورة إيقافًا للإيقاع - وليس تهدئة فحسب، ولا مرورًا عابرًا كما تم بطبيعة الحال - وكشفًا نفسيًا مفارقًا بما يكفي ليبرر ويضيف بلحظة إنسانية مناسبة تمامًا: الموت.

 

لا يملك الرجل طبقيًا / أخلاقيًا، أن يتصور تلك السيدة شيئًا غير "صورتها" في الرواية. يمكن لمحفوظ أن يؤنسن امرأة ويسبر غورها وينطلق من دوافعها، فيفهمها ويعذرها، شريطة أن تكون بالفعل قد "سقطت". هنا يمثل الفهم والعرض والأنسنة / إسقاط القوالب السائدة نوعًا من "التسامح" يحمل في طياته تعاليًا، مقيتًا إن نحينا مشاعرنا تجاه شخص الكاتب القدير، واحتقارًا أيضًا، وإعلانًا لمقدرة المحلل، الممارَسة على "مادة" آمنة / محتقرة / صدر الحكم بإعدامها فلا بأس من الاستفادة من البقايا قبل التلف. أما الأم / المثال تلك، فخارج تلك الإمكانية. الإفراد هنا عاطفي المنشأ برأيي، "تكريمًا" ربما لامرأة حقيقية ألهمت الشخصية، لم تضف شيئًا غير حنينها لموقعها خلف "المشربية" في الأيام الهانئة، وهو مما له دلالته عن الرؤية الكامنة. 

 

 

ليست هناك تعليقات: